( يجلس الله تعالى محمداً على الكرسي ) شبهة ورد ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، أما بعد :
فهذا رد مختصر على شبهة :
” يجلس الله محمداً على الكرسي “
*أصل الشبهة :
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره في المجلد العاشر صفحة 311:
القول الثالث – ما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه، وروت في ذلك حديثا.
*الرد على الشبهة :
أن هذا القول انفردت به فرقة وهذا من الخطأ وأما ما روي أن الإمام مجاهد منها فهذا خاطئ لأن قول الإمام مجاهد جاء عند الطبري بغير إسناد له ، وجاء مسنداً من هذه الرواية :
حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) قال: يُجْلسه معه على عرشه.
هذه الرواية لا تصح لأن فيها ليث بن أبي سليم :-
** قال الحافظ فى ” الفتح ” 3 / 459 : ليث ضعيف .
** كتاب معرفة التذكرة للمقدسي : “ ليث ابن أبي سليم تركه يحيى القطان وعبد الرحمن وأحمد ويحيى”.
** نصب الراية ج 2 ص 234 ” ليث بن أبي سليم ضعيف عند أهل الحديث قال : وروى عن ابن عباس إلا أنه ينفرد ( 23 ) بإسناده ابن لهيعة وهو لا يحتج به انتهى” .
** السلسلة الضعيفة ج2 ص 14 : “ ليث ابن أبي سليم ضعيف باتفاقهم“
إذاً فالقول بأن مجاهد كان ممن قال هذا لا يؤخذ به .
قال القرطبي رحمه الله : “ وروت في ذلك حديثا ” .
* وهذا الحديث هو :
عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال : بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأ عليه حتى بلغت ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا * قال : ” يجلسني على العرش ” وجاء من عدة طرق غير هذا سيأتي بيانها .
* قال الألباني في ” السلسلة الضعيفة و الموضوعة ” ( 2 / 255 ) :
باطل .
* قال الذهبي : ” هذا حديث منكر لا يفرح به ، وسلمة هذا متروك الحديث ، و أشعث لم يلحق ابن مسعود “، وهذا يعني الانقطاع .
* الطرق الأخرى التي جاء منها الحديث :
قال الذهبي : ” قد وجدت له طريقا أخرى موصولا عن ابن مسعود مرفوعا نحوه ، و لا يصح أيضا . “
وروي عن ابن سلام موقوفاً قال الذهبي : ” هذا موقوف و لا يثبت إسناده“
روي أيضاً من طريق عمر بن مدرك الرازي : حدثنا مكي بن
إبراهيم عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس موقوفا مثله . قال : ” إسناده ساقط ، و عمر هذا متروك ، و جويبر ( سقط الخبر من الأصل و لعله . مثله ) ، و هذا مشهور من قول مجاهد ، و يروى مرفوعا ، و هو باطل ” فتبين لنا أن مجاهد لم يقل بهذا وأن الإسناد بالحديث والإسناد بقول مجاهد سند ساقط لا يحتج به .
**الطائفة التي رأت هذا القول :
أما الطائفة التي روت هذا القول فقد أولته .
قال القرطبي رحمه الله :
” وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفيه بعد.
ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله.”وقال :
” هذا تأويل غير مستحيل ” ، ” وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه.” ، ” كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة، لا إلى المكان.“
فتبين لنا أن هذه الطائفة أوّلت هذا المعنى .
* معنى المقام المحمود :
المقام المحمود هو الشفاعة . والأدلة على ذلك متواترة كثيرة :
**ذكر الطبري عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” المقام المحمود هو المقام الذى أشفع فيه لامتي “.
**روى الطبري في ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال : ثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: هو الشفاعة، يشفعه الله في أمته، فهو المقام المحمود.
**: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) وقد ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خير بين أن يكون نبيّا عبدا، أو ملكا نبيّا، فأومأ إليه جبرائيل عليه السلام: أن تَوَاضَعْ، فاختار نبيّ الله أن يكون عبدا نبيّا، فأُعْطِي به نبيّ الله ثنتين: إنه أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل شافع. وكان أهل العلم يَرَوْن أنه المقام المحمود الذي قال الله تبارك وتعالى( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) شفاعة يوم القيامة.
** حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة( مَقَامًا مَحْمُودًا ) قال : هي الشفاعة، يشفِّعه الله في أمته.
** حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر والثوريّ، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زُفَر، قال: سمعت حُذيفة يقول في قوله( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) قال: يجمع الله الناس في صعيد واحد حيث يُسْمعهم الداعي، فَيَنْفُذُهم البصر حُفاة عُراة، كما خُلِقوا سكوتا لا تكلَّم نفس إلا بإذنه، قال: فينادَى محمد، فيقول: لَبَّيك وسَعْديك، والخيرُ في يديك، والشرّ ليس إليك، والمهديّ من هَدَيت، وعبدُك بين يديك، ولك وإليك، لا ملْجَأَ ولا منجَى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك ربّ البيت، قال: فذلك المقامُ المحمودُ الذي ذكر الله( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) .
وهذا ختام الرد ، والله أسأل أن ينفع به ويعلي به الحق.