جزاكي الله خيرا اختي الكريمة نور الهدي علي مرورك وتعليقك واليكي جواب سؤالك
المعروف أن هذا مروي عن ابن عباس وليس له إسناد قائم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما أعلم، ومعناه صحيح، و
هو شرعية المصافحة، يعني شرعية استلامه، كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يستمله بيده ويقبله. هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة.
أما هذا اللفظ: (يمين الله في الأرض). فهذا لا أعلم فيه حديثاً صحيحاً وإنما هذا يروى عن ابن عباس وفي صحته نظر، لكن معناه صحيح،
أن السنة أن يصافح يستلم باليد اليمنى إن تيسر ذلك ويقبل فإن لم يتيسر استلم وقبلة اليد، أو استلمه بعصى وقبله بعصى، فإن لم
يتيسر هذا أشار إليه وكبر، كل هذا فعله النبي - صلى الله عليه وسلم-، وفي الصحيحين عن عمر - رضي الله عنه - أنه لما طاف بالبيت
قبل الحجر وقال: إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي يقبلك ما قبلتك - عليه الصلاة و السلام-. فالمقصود أن تقبيله
واستلامه سنة، وليس هو يمين الله ، ولكن المقصود مشبه، يهني من صافحه فكأنما صافح الله، وهو يمين الله صفة لذات الله-
سبحانه وتعالى - واصفاً فوق العرش، ولكن من صافح هذا الحجر كأنما صافح الله يعني في حصول الفضل والتقرب إلى الله والأجر،
ولهذا فكأنما صافح الله، ما قال فقد صافح الله، كأنما صافح الله.
الحجر الأسود يمين الله عز وجل، يصافح به خلقه كما يصافح الرجل أخاه" فهل هذا ثابت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)
يقول الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله في رده على سؤال مماثل :
لم يصح هذا حديثًا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وقد وردت في فضل الحجر الأسود أحاديث ، وعن عمر رضي الله عنه كما في
صحيح البخاري : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يُقبِّلك ما قَبَّلتُك.
وقد روى النسائي ما يُشعر بأن عمر رفع قوله هذا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقد أخرج من طريق طاوس
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : رأيت عمر قبَّل الحجر ثلاثًا ثم قال : إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) يقبلك ما قبلتك . ثم قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فعل ذلك .
قال الطبري : وإنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام ، فخَشيَ عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر
من باب التعظيم لبعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية ، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته ، كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان. وقال المُهلَّب :
حديث عمر هذا يرد على من قال : "إن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده" ، ومعاذ الله أن قياسًا على أخذ الأجرة
وهذا صريح في أنه ليس بحديث ، وإنما هو قول لبعض الناس مردود بما ذُكر . وقال الخطَّابي تصحيحًا لمعناه فقط :
معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد ، وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة
لمن يريد موالاته والاختصاص به فخوطبوا بما يعهدونه.
وقال المحب الطبري : معناه أن كل ملك إذا قَدِم عليه الوافد قَبَّل يمينه، فلما كان الحاج أول ما يَقْدم يُسنُّ تقبيله
نزل منزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى اهـ.
فهو كلام على التجوز، ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري، قال: وإنما شُرع تقبيله اختيارًا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع، وذلك
شبيه بقصة إبليس حين أُمر بالسجود لآدم عليه السلام.
وفي قول عمر هذا تسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي
(صلى الله عليه وسلم) فيما يفعله ، ولو لم تُعلَم الحكمة فيه . وفي شرح الترمذي أنه يُكره تقبيل ما لم يَرِدْ الشرع بتقبيله اهـ.
ومن هذا يعلم السائل أن ما ذكره بعض الخطباء ليس واردًا وإن صح معناه بالتأويل الذي ذكره الخطَّابي والمحب الطبري اهـ.
والخلاصة أن هذا الحديث ليس بصحيح ، ونحن متعبدون بتقبيل الحجر الأسود لفعل النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك
وقد ظهر هذا من الأثر الوارد عن عمر رضي الله عنه وأرضاه .
والله أعلم .