قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُر نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ علي وعلى والدي..) (سورة النمل:17ـ19).
هذه هي الدقة المتناهية في الوصف التي يتميز بها القرآن الكريم الفاء في "فتبسم" تظهر التلازم والمتابعة بين حديث النملة وقول سليمان، مما قد يعني ضمنياً ما فهمه من قال أن سليمان قد سمعها. لاحظوا هنا أنا لا أتكلم عن حوار مع نملة، فأنا لا أذكر هذه القصة أصلاً. إوهذا تفسيرللآية الكريمة.
أما بخصوص العلم الحديث فهذا لا يعتد به. فقبل كتابة هذه الجملة وإلى أن أتمها سيكون هناك علم جديد يسمى حديثاً ويكون الحديث قد أصبح قديماً. هذا عصر الإنترنت. والعلم يخبرنا أن النمل يصدر ذبذبات صوتية بالفعل، وإن كانت فوق إدراك الأذن البشرية، لهذا لا يسمعها الإنسان.
ماذا "لابد"؟ من أكد أنه لم يسمعها؟ وإن جزمنا بذلك، فمن أخبرنا أن الله تعالى لم يبلغه بها بدلاً من شم رائحتها؟ ثم كيف يمكن للعلم أن يفسر تحليل أنف سليمان للشيفرة المختبئة في داخل حامض؟
ثم إن هذا أيضاً غير علمي. أنا أشاهد النمل في الطرقات كل يوم، ولا أذكر أبداً أني شممت رائحة حامض تخرج منه.
نأـي لعدة نقاط اخري :-
ولاً: الخالق الذي خلق السموات وخلق النمل وغيره هو الذي أقدر سليمان وهو ألذي فهمه ذلك
وثانياً : أن آيات الأنبياء إنما كانت آيات لأنها جاءت على غير مآلوف الناس واعتيادهم؛ لأن الآية: هي أمر خارق للعادة داع إلى الخير والسعادة مقرون بدعوى النبوة قصد به إظهار صدق من ادعى أنه رسول من الله سبحانه، فلو لم تكن مخالفة للعادة لكانت كسائر الأفعال المعتادة، ولم تكن آية.
وثالثاً: أن كل آيات الأنبياء في الجملة أعظم من هذه الآية (تكليم النمل) فميلاد المسيح من غير أب، وإحياء الطير لإبراهيم، والإسراء بنبينا محمد r إلى السماء، وانشقاق القمر، ونزول القرآن ، وكون عصا موسى حية تسعى، وتسيير الريح لسليمان وغيرها.
رابعاً: أن اليهود والنصارى يؤمنون بمعجزات الأنبياء بل عندهم معجزات كثيرة منسوبة للأنبياء وقد لا يصح كثير منها.
خامساً: أن الرسل عليهم الصلاة والسلام، جاءوا ببعض الأمور التي قد لا تفهمها بعض العقول القاصرة، لكنهم لم يأتوا بما ترى العقول أنه محال، وهذه الآية من ذلك، فهل العقل السوي يحيل على الذي خلق السموات والأرض أن يعجز عن أن يجعل سليمان قادرا على فهم لغة مخلوق من مخلوقات الله، لا شك أن العقل لا يحيل ذلك.
فليس في العقل ما يحيل أن يجعل الله نبيا من أنبيائه يكلم النمل أو غيره من الكائنات الحية. ومن لا يستطيع تصور ذلك فذلك لقصور في عقله. بل إن الله تعالى قد خاطب الجمادات وأنطقها. قال تعالى : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) [فصلت : 11] .و الملاحظ أنَّ الله ختم السورة التي ذكر فيها قصة النمل بعلامةٍ ليوم القيامة وهي خروج الدابة التي تكلم الناس كما قال تبارك وتعالى : (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل : 82] وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال: (كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل). و جاء أيضا في السنة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تقتتلون أنتم ويهود حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود .فقد وردت السنة بأن الجمادات تتكلم في هذه الحياة الدنيا قبل يوم القيامة فوجب التسليم.
سادساً: لما سأل هرقل أبا سفيان عن الرسول r قال له: وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا خالطه بشاشة القلوب) أي أذا خالط الإيمان القلب فإنه لا يرجع صاحبه ويرتد، فهؤلاء لم يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم .
لم يرد في القصة القرآنية أن هناك "حواراً" بين سليمان والنملة، بل كان الكلام من النملة لبني جلدتها. وبالتالي فلم يكلمها سليمان ولا هي كلمت سليمان. هذه واحدة.
. النملة قالت.
2. تبسم سليمان من قولها.
3. للنمل لغة لأنه أمة مثلنا.
4. ثبوت حديث سليمان مع الكائنات الأخرى.
5. الأمر كله معجزة يرويها الله تعالى لنا.
6. لا دليل على غير قول النملة وسماع سليمان لها.
النملة قالت وسليمان سمع.
الثانية أن الله تعالى يقول: "فتبسّمَ ضاحكاً مِن قولها" أي أنها قالت كلاماً أعجب سليمانَ عليه السلام، فتبسّم مِن هذا القول. القرآن لم يخبرنا كيف سمع سليمان ذلك، بل أخبرنا بالأهم وهو أن قولها وصله فسمعه وفهمه.
من منا لا يعرف حكمة سليمان البالغة التي وهبه الله تعالى ؟
هناك مثال آخر
{قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا}
لقد علم الرسول صلى الله عليه و سلم بقول الجن عن طريق الوحي من الله تبارك و تعالى ، و هو لم يسمع قولهم مباشرة و لم يحاورهم .
والله تعالى أعلم وأعلم