وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ في كتاب السيرة النبوية:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ آلَى أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ بَنِي فَزَارَةَ، فَلَمَّا اسْتَبَلَّ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى بَنِي فَزَارَةَ فِي جَيْشٍ، فَقَتَلَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، وَأَصَابَ فِيهِمْ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحَّرِ الْيَعْمُرِيَّ مَسْعَدَةَ بْنَ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأُسِرَتْ أُمُّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ، كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَبِنْتٌ لَهَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ، فَأَمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحَّرِ أَنْ يَقْتُلَ أُمَّ قِرْفَةَ، فَقَتَلَهَا قَتْلًا عَنِيفًا؛ ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِابْنَةِ أُمِّ قِرْفَةَ، وَبِابْنِ مَسْعَدَةَ.
وَكَانَتْ بِنْتُ أُمِّ قِرْفَةَ لِسَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهَا، وَكَانَتْ فِي بَيْتِ شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا؛ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: (لَوْ كُنْتَ أَعَزَّ مِنْ أُمِّ قِرْفَةَ مَا زِدْتُ). فَسَأَلَهَا رَسُولَ اللَّهِ سَلَمَةُ، فَوَهَبَهَا لَهُ، فَأَهْدَاهَا لِخَالِهِ حَزْنَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَزْنٍ.
ما تم نقله عن الطبري حول قصة أم قرفة فقد ذكر إن في سند هذه القصة محمد بن أسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن أم المؤمنين عائشة ، فمحمد بن أسحاق وعروة بن الزبير غير موثوقين وغير جديرين بالإعتماد عليهما في الحديث ، حيث القاعدة في علم الرجال تقول بان الجرح مقدم على التعديل
وأما ما ذُكر عن امر امرأة أسمها أم قرفة من بني فزارة قتلها زيد بن حارثة (رضي الله عنه) بأن ربط رجليها إلى بعيرين حتى شقاها ونسب هذه الرواية إلى تاريخ الطبري ، وحين راجعنا هذا النص في تاريخ الطبري وجدنا ان هناك أموراً قد تم التغاضي عنها ، فالطبري يروي هذه القصة عن الواقدي ، والواقدي ضعيف في علم الرجال حيث قال عنه النووي في كتابه المجموع ج1 ص114 :
(الواقدي رحمه الله ضعيف عند أهل الحديث وغيرهم ، لا يحتج برواياته المتصلة فكيف بما يرسله أو يقوله عن نفسه)
ذِكْرُ مَنْ قَتَلَ أُمّ قِرْفَةَ
قَتَلَهَا قَيْسُ بْنُ الْمُحَسّرِ قَتْلاً عَنِيفًا؛ رَبَطَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا حَبْلاً ثُمّ رَبَطَهَا بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَهِىَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ. وَقَتَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ النّعْمَانِ بْنِ مَسْعَدَةَ ابْنِ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَدْرٍ.
قال علماء الإسلام عن الواقدي انه كاذب
قال البخارى : الواقدى مدينى سكن بغداد ، متروك الحديث ، تركه أحمد ، و ابن نمير ، و ابن المبارك ، و إسماعيل بن زكريا .
و قال فى موضع آخر : كذبه أحمد .
و قال معاوية بن صالح : قال لى أحمد بن حنبل : هو كذاب .
و قال معاوية أيضا عن يحيى بن معين : ضعيف .
و قال فى موضع آخر : ليس بشىء .
و قال فى موضع آخر : قلت ليحيى : لم تعلم عليه حيث كان الكتاب عندك ؟ قال :
أستحى من ابنه ، و هو لى صديق . قلت : فماذا تقول فيه ؟ قال : كان يقلب حديث
يونس يغيرها عن معمر ، ليس بثقة .
و قال عباس الدورى ، عن يحيى بن معين : ليس بشىء .
و قال عبد الوهاب بن الفرات الهمدانى : سألت يحيى بن معين عن الواقدى ، فقال : ليس بثقة .
و قال المغيرة بن محمد المهلبى : سمعت على ابن المدينى يقول : الهيثم بن عدى أوثق عندى من الواقدى ، و لا أرضاه فى الحديث و لا فى الأنساب و لا فى شىء .
و قال أبو داود : أخبرنى من سمع على ابن المدينى يقول : روى الواقدى ثلاثين ألف حديث غريب .
و قال مسلم : متروك الحديث .
و قال النسائى : ليس بثقة .
قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 9/366
قال الشافعى فيما أسنده البيهقى : كتب الواقدى كلها كذب .
و قال النسائى فى " الضعفاء " : الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أربعة : الواقدى بالمدينة ، و مقاتل بخراسان ، و محمد ابن سعيد المصلوب بالشام . و ذكر الرابع .
و قال ابن عدى : أحاديثه غير محفوظة و البلاء منه .
و قال ابن المدينى : عنده عشرون ألف حديث ـ يعنى ما لها أصل .
و قال فى موضع آخر : ليس هو بموضع للرواية ، و إبراهيم بن أبى يحيى كذاب ، و هو
عندى أحسن حالا من الواقدى .
و قال أبو داود : لا أكتب حديثه و لا أحدث عنه ; ما أشك أنه كان يفتعل الحديث ، ليس ننظر للواقدى فى كتاب إلا تبين أمره ، و روى فى فتح اليمن و خبر العنسى أحاديث عن الزهرى ليست من حديث الزهرى .
و قال بندار : ما رأيت أكذب منه .
و قال إسحاق بن راهويه : هو عندى ممن يضع .
و قال أبو زرعة الرازى ، و أبو بشر الدولابى ، و العقيلى : متروك الحديث .
و قال أبو حاتم الرازى : وجدنا حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين مناكير ، قلنا : يحتمل أن تكون تلك الأحاديث منه و يحتمل أن تكون منهم ، ثم نظرنا إلى حديثه عن ابن أبى ذئب و معمر فإنه يضبط حديثهم ، فوجدناه قد حدث عنهما بالمناكير ، فعلمنا أنه منه فتركنا حديثه .
و حكى ابن الجوزى عن أبى حاتم أنه قال : كان يضع .
و قال النووى فى " شرح المهذب " فى كتاب الغسل منه : الواقدى ضعيف باتفاقهم .
و قال الذهبى فى " الميزان " : استقر الإجماع على وهن الواقدى .
و قال الدارقطنى : الضعف يتبين على حديثه .
و قال الجوزجانى : لم يكن مقنعا . اهـ .
فلا يمكن قبول هذه الرواية أو الإعتماد عليها ، وفي نفس الموضع يروي الطبري رواية أخرى أن السرية التي غزت بني فزارة كانت بقيادة أبي بكر بن أبي قحافة ، مخالفاً بذلك الرواية المذكورة آنفاً التي جعلت الغزوة بقيادة زيد بن حارثة (رضي الله عنه) ، بل أنَّ هناك مصادر أخرى كالبيهقي والدارقطني تذكر أن مقتل أم قرفة إنما كان في عهد خلافة أبي بكر بن أبي قحافة وأنها أرتدت عن الإسلام فأستتابها فلم تتب فقتلها وروايات أخرى تقول انه قتلها في الردة ، وهكذا نجد أن الروايات التأريخية متضاربة حول حقيقة أم قرفة ، بالإضافة إلى كون معظمها روايات أما مرسلة أو ضعيفة وكلاهما لا يحتج به ولا يوثق به.
فحكاية أم قرفة التي قتلت شر قتلة لأنها هجت الرسول صلى الله عليه وسلم المذكورة في الكتب هي روايات ضعيفة أو مختلقة أصلاً ، فرسول الله أرحم من أن يقتل أو يأمر بقتل عجوزاً نصفين وهو المبعوث رحمة للعالمين، والدليل على ذلك أنه عفا على العشرة الذين توعدهم قبل فتح مكة بالقتل "ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة" بمن فيهم عبد الله بن سرح، فكيف يعفوا على مثل هذا الزنديق ويقتل أم قرفة قتلة شنيعة يأباها الإسلام الذي حرم التمثيل بالميت، وكيف أن رسولنا الكريم قد عفا عن مشركي قريش الذين آذوه عندما قال لهم :"ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم. فكان رده صلي الله عليه وسلم :أذهبوا فأنتم الطلقاء".
فهل بعد ذلك نأخذ بأحاديث الواقدي ؟ !