ووجدك ضالاً فهدى
.
ياله من سياق بسورة الضحى يذكر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما كان من شأن ربه معه منذ أول الطريق. ليستحضر في خاطره جميل صنع ربه به، ومودته له، وفيضه عليه، ويستمتع باستعادة مواقع الرحمة والود والإيناس الإلهي. وهو متاع فائق تحييه الذكرى على هذا النحو البديع:
{ ووجدك ضالاً فهدى }.
الضال هو الذي ضل الطريق .. ويقال ضل الطريق أي مشي فيه وهو لا يعرف السبيل إلي ما يريد أن يصل إليه .. هذا هو الضال .. أي : وجدك ضالاً عن معرفة الله تعالى حين كنت طفلاً صبياً، كما قال:
{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا }
[النحل: 78]
فخلق فيك العقل والهداية والمعرفة، والمراد من الضال الخالي عن العلم لا الموصوف بالاعتقاد الخطأ
فلقد نشأت يامحمد في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحك إليها. ولكنك لم تكن تجد لك طريقاً واضحاً مطمئناً. لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا.. ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك، وبالمنهج الذي يصلك به.
والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى، التي لا تعدلها منة ؛ وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ؛ ومن التعب الذي لا يعدله تعب
فهو لم يسجد لصنم وقال أبو طالب في خطبة زواج النبي :salla-icon: للسيدة خديجة :
{ "الحمدلله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضِئضئِ معدَّ.....}
فقوله تعالى: { ووجدك ضالاً فهدى } المراد بالضلال عدم الهداية والمراد بكونه صلى الله عليه وآله وسلم ضالاً حاله في نفسه مع قطع النظر عن هدايته تعالى فلا هدى له صلى الله عليه وآله وسلم ولا لأحد من الخلق إلا بالله سبحانه فقد كانت نفسه في نفسها ضالة وإن كانت الهداية الإِلهية ملازمة لها منذ وجدت فالآية في معنى قوله تعالى:
{ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإِيمان }
ومن هذا الباب قول موسى على ما حكى الله عنه:
{ فعلتها إذاً وأنا من الضالين }
أي لم أهتد بهدي الرسالة بعد.
ويقرب منه ما قيل: إن المراد بالضلال الذهاب من العلم كما في قوله:
{ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى }
ويؤيده قوله:
{ وإن كنت من قبله لمن الغافلين }
فبعض الناس ذهب إلى أنه كان كافراً في أول الأمر ، ثم هداه الله وجعله نبياً ، فروي عن ابن عباس والحسن والضحاك وشهر بن حوشب: ووجدك ضالاًّ عن معالم النعمة وأحكام الشريعة غافلاً عنها فهداك إليها، وهو المراد من قوله:
{ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ }
[الشورى: 52]
وقوله:
{ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ }
[يوسف: 3]
والله أعلم